الفوركس بين الطموح والمقامرة: تجربة شخصية بعيون متداول
تجربة حقيقية في الفوركس تكشف مخاطره وسيطرة البنوك الكبرى، وتحليل هل هو استثمار مربح أم مجرد مقامرة مقنّعة
8/24/20251 min read
علاقتي مع الفوركس بدأت منذ أكثر من تسع سنوات تقريبًا، وكنت وقتها أبحث عن وسيلة إضافية لزيادة دخلي بجانب عملي الأساسي.
أول ما شدني إلى هذا السوق هو أنه مفتوح على مدار أربعٍ وعشرين ساعة ولا يحتاج إلى رأس مال ضخم كبقية الاستثمارات مثل العقارات أو حتى الأسهم.
شعرت في البداية أن الأمر بسيط، كل ما عليّ فعله هو متابعة أسعار العملات أو متابعة التوصيات أو حتى الاشتراك في قروبات التوصيات المدفوعة وأستطيع استرجاع مبلغ الاشتراك بصفقة أو صفقتين.
لكن مع أول تجربة حقيقية أدركت أن الصورة ليست وردية كما تصورت، فهو في الحقيقة ساحة مليئة بالتقلبات الحادّة.
ومع مرور السنوات بدأت أرى الصورة بشكل أوضح. ما جعلني أعيد التفكير في جدوى الفوركس هو أن السوق ليس نزيهًا كما يبدو.
من يتحكم فعلًا في اتجاهاته ليست قوى العرض والطلب كما يظن الكثيرون، بل البنوك الكبرى وصنّاع القرار في الدول. قراراتهم وسياساتهم هي التي تحرك الأسعار، وأحيانًا بطرق لا يمكن التنبؤ بها أبدًا.
كل الأخبار السياسية والاقتصادية التي نسمعها ليست سوى جزء صغير من الصورة، بينما الجزء الأكبر يحدث خلف الكواليس.
أنت كمتداول فردي تدخل في معركة ضد كيانات ضخمة تملك كل الأدوات والمعلومات، وتراهن بأموالك على تحركات لا تملك عنها معرفة حقيقية.
في لحظات كهذه كنت أشعر أن ما أفعله لا يختلف كثيرًا عن المقامرة. بل إن بعض الأصدقاء قالوا لي مازحين: “لماذا لا تذهب إلى صالة قمار أو موقع مراهنات، على الأقل ستعرف أنك تقامر؟”
واحدة من أكثر الأشياء التي شغلتني في رحلتي مع الفوركس هي قضية التحليل الفني. منذ بداياتي كنت أظن أن الحل يكمن في إتقان قراءة الرسوم البيانية والشموع اليابانية، وكنت أقضي ساعات طويلة في دراسة الأنماط المتكررة مثل الرأس والكتفين أو القمم والقيعان أو خطوط الدعم والمقاومة.
الفكرة الأساسية للتحليل الفني تقوم على أن حركة السعر تعيد نفسها، وأن الشمعة التي تراها الآن قد تشبه شمعة سابقة وبالتالي يمكن توقع ما سيحدث بعدها.
لكن مع الوقت أدركت أنني في الحقيقة أتعامل مع صور ونماذج بلا معرفة حقيقية عن السبب الذي يجعل السعر يتحرك بهذا الشكل.
كنا نرسم الخطوط ونبحث عن الأنماط ونطبّق المؤشرات، لكننا في النهاية لا نعرف مَن الذي يضخ هذه السيولة الضخمة التي تحرك السوق. نحن كمتداولين أفراد لا نملك أي تأثير حقيقي على حركة الأزواج، بل إن حجمنا يكاد يكون معدومًا أمام البنوك المركزية وصناديق التحوط والمؤسسات الكبرى.
هم من يحددون اتجاهات السوق، أمّا نحن فنحاول فقط التقاط الفتات من تحركاتهم.
هذا جعلني أشعر أحيانًا أن الاعتماد على التحليل الفني يشبه مراقبة الأمواج على الشاطئ ومحاولة التنبؤ بمكان الموجة التالية دون أن تعرف شيئًا عن الرياح التي تحرك البحر أصلًا. قد تُصيب في بعض المرات لأن النمط تكرر، لكنك في النهاية لا تملك سيطرة حقيقية ولا حتى فهمًا كاملًا لما يحدث في العمق.
عندما قارنت الفوركس بالأسهم أو العقارات أو حتى الذهب، وجدت أن تلك الأدوات تمنحني إحساسًا أكبر بالاستقرار والسيطرة.
الأسهم مثلًا مرتبطة بأداء الشركات ونتائجها، ويمكن تحليلها بأدوات واضحة.
العقارات تحتاج إلى وقت ورأس مال لكنها آمنة نسبيًا.
الذهب ليس وسيلة للربح السريع لكنه يحافظ على القيمة.
أما الفوركس، فرغم كل جاذبيته، ظل دائمًا أقرب للمقامرة المزيّنة بواجهة براقة.
اليوم حين يسألني أحدهم: هل الفوركس يستحق التجربة؟ أجيبه بأن الأمر يعتمد على توقعاته. إذا كان يظن أنه سيدخل السوق ويصبح ثريًا خلال أسابيع، أنصحه بأن يحتفظ بأمواله أو حتى يذهب بها إلى كازينو، فربما فرصه هناك أوضح وأقل خداعًا.
الخلاصة التي وصلت إليها بعد سنواتٍ من التجربة أن الفوركس ليس طريقًا مضمونًا للثراء، بل هو مقامرة أنيقة مغلّفة بواجهة مالية براقة.
مَن يملك خبرة عميقة أو فهمًا لطريقة تحرك البنوك المركزية قد يجد فيه وسيلة للربح، لكن الغالبية العظمى ستكتشف أنه مجرد فخ يستهلك الوقت والمال والأعصاب.
وربما السؤال الأهم الذي يجب أن يطرحه أي شخص على نفسه قبل أن يدخل هذا السوق هو: هل أريد أن أستثمر أموالي حقًا، أم أنني فقط أبحث عن لعبة حظ جديدة؟
.